The Digital Shift in Education: Opportunities and Challenges
03-2025, Article by Insight Advisory 360° by Pr. Mohammed Berrached, Senior expert in Education, i360°
Abstract
The rapid evolution of digital technology is reshaping education, demanding a rethinking of traditional teaching and learning approaches. As the world navigates the Fourth Industrial Revolution, digital tools—ranging from mobile devices to AI-driven learning platforms—are increasingly embedded in our daily lives. This article explores the transformative impact of digitalization on education, examining both its potential and its challenges.
The integration of technology into education has opened new pathways for learning, providing unprecedented access to knowledge, fostering collaboration, and enhancing engagement. However, these advancements also present critical challenges: digital distractions, information overload, and the growing need for digital literacy. To ensure that technology serves as a catalyst for meaningful education rather than a barrier, a balanced approach is essential—one that integrates innovation while reinforcing critical thinking and ethical considerations.
This article offers insights into how educators, policymakers, and institutions can strategically harness digital tools to enhance learning outcomes. It presents practical recommendations for maximizing the benefits of digital transformation while addressing its limitations. By adopting a forward-thinking and adaptive mindset, the education sector can leverage technology to build more inclusive, dynamic, and effective learning environments for the future.
محمّد بالرّاشد، أستاذ باحث في علم الاجتماع التربوي، جامعة جندوبة تونس وخبير لدى 360 للاستشارات
مقدمة
يعيش العالم على وقع الثورة الصناعيّة الرابعة التي تعدّ التكنولوجيا الرقميّة عمادها الأساسيّ. فالتكنولوجيا الرقميّة غزت مختلف جوانب حياة الإنسان، وفرضت عليه عادات لم يألفها من قبل، فهذه الوسائط -التي صار بعضها مثل الهواتف المحمولة بمثابة امتداد لجسد الإنسان يرافقه في حلّه وترحاله-أدخلت تغييرات عميقة على أنشطة الإنسان وعلى روابطه الاجتماعيّة وكذلك على زمنه وطبيعة أنشطته وأولويّاته حتّى أنّ النشاط الأوّل الذي يبادر إليه الفرد اليوم عند استيقاظه من النوم هو الاطّلاع على الهاتف المحمول ومن خلاله على مواقع التواصل الاجتماعيّ وما جادت به من أخبار ومعلومات. وبهذا تكون مختلف مكوّنات حياة الإنسان قد خضعت لتأثير التكنولوجيا الرّقمية
الأمر الذي أوجب التّفكير في سبل الاستفادة منها واقتناص الفرص التي توفّرها مع التّعامل بذكاء مع التّحديات التّي تفرضها.
تعرّف التكنولوجيا الرّقميّة بأنّها » مجمل المنجزات العلميّة المجسّدة في تطبيقات عمليّة للتّغيّر من النّظام التّقليديّ إلى النّظام الرّقمي، وتشتمل على أجهزة الحاسبات وشبكة الانترنت، والهاتف المحمول والهواتف الأرضيّة والفضائيّات والتّلفاز التّفاعليّ، والأجهزة المنزليّة الرّقميّة وأنظمة إدارة المبنى وغيرها من التّقنيات الأخرى[i]« . وتشكّل التكنولوجيا الرّقمية عامل تحوّل عميق في حياة البشر، لأنّها لا مست جوانب ظلّت لفترات طويلة من المحرّمات، فالخصوصيّات، على سبيل المثال، بما لها من أبعاد جسديّة وقيميّة واجتماعيّة ونفسيّة كانت على مدى طويل بمنأى عن الاختراق، فالجميع يعملون على الحفاظ على الخصوصيّة ومنع أي انتهاك لها. فلم يكن الكشف عن الجسد ممكنا إلاّ لمن سمحت لهم المنظومة القيميّة بذلك. فالجسد ملك صاحبه، ولا يكشف عنه إلا لمن تجيز لهم المنظومة القيمية بذلك. ولكن الأمر اليوم لم يعد كذلك، فعرض الجسد في الفضاء العام الرّقمي صار حدثا مألوفا بل ومرغوبا فيه، بل هو عنوان الثّقة في النفس وتأكيد الذات على الرّغم من المخاطر المحدقة بذلك الفعل.
أعطت التكنولوجيا الرقميّة معنى جديدا للرّوابط الاجتماعيّة، فوسّعت دائرتها، وأعادت ما فُقد منها (أعادت الصداقات القديمة)، وفي مقابل ذلك أضعفت بعضا منها، فكان أن تأثّرت العلاقات الاجتماعيّة سلبا وإيجابا بتلك الوسائط التكنولوجية. كما مكّنت تلك التكنولوجيا الرّقميّة الشباب على نحو خاصّ من التحرّر من الكتابة الكلاسيكيّة ومن قواعدها، فأوجدوا طرقا جديدة للكتابة تجمع بين الحرف الأجنبيّ وبين الرّقم لتتشكّل بذلك ظاهرة جديدة يمكن وسمها بالكتابة الرقميّة الشبابيّة، وهي ظاهرة-شأنها مثل الظواهر الأخرى، تعبّر عن مدى تغلغل الرّقميّ في حياة الإنسان، وتعكس بطريقة أو بأخرى قطيعة مع كتابة ظلّت سائدة لفترات طويلة من الزمن.
وضمن سياق تأثيرات التكنولوجيا الرقميّة المختلفة والعميقة، وجد الأفراد في « المجتمعات الديمقراطيّة التّمثيلية في مواقع التّواصل الاجتماعيّ مجالا أوسع للتعبير عن آرائهم، وأهوائهم وشطحاتهم ونزواتهم، وممارسة الضّغوط من خلال أشكال جديدة، وجماعات ضغط رقميّة ذات طابع شعبوي يمكن من خلالها ممارسة الضغوط الرقميّة على المؤسّسات السّياسية، وتجاوز جماعات الضّغط التّقليديّة، ومعها الأحزاب السّياسيّة، والبرلمان، وأجهزة الإعلام المرئيّة والمسموعة والمقروءة، التي بدأت تفقد بعضا من تأثيرها القديم[ii]« .
وعلى الرّغم من هذه الاستخدامات المتنوّعة التّي لامست جوانب شتّى من حياة الإنسان، يظلّ السؤال المهمّ هو كيف يمكننا الاستفادة من هذا التحوّل التّقني الكبير الذي جعل البشر يعيدون النّظر في معاني كثيرة ليس أقلّها الرّوابط الاجتماعيّة والخصوصيّة؟ وكيف يمكن احتواء الأضرار والمخاطر النّاجمة عن استخدام الأفراد لتلك التكنولوجيّات وهي كثيرة من قبيل التحرّش ونشر الأفكار المتطرّفة وترويج الأخبار الزّائفة واختراق الأمن القومي…الخ. وحتّى لا تكون الإجابة عامّة اتّجهنا إلى البحث في التّربية الرقميّة بوصفها تحدّيا جديدا تواجهه المنظومات التّربويّة التّي وجدت نفسها بين خيارين إمّا الاستفادة منه ومن ثم شدّ الأطفال المنجذبين بقوّة لتلك الوسائط إليها، وإمّا تحوّل قاعات الدرس إلى فضاءات تربويّة مهجورة على الأقلّ عاطفيّا لأنّها تحوّلت إلى فضاءات طاردة بالنسبة إلى الأجيال الجديدة. بمعنى آخر كان من الضّروريّ أن نتساءل عن سبل تحويل الفعل التّعليميّ- التعلّمي إلى فعل من مكوّناته الأساسيّة التكنولوجيات الرقميّة، حتّى يكون لاستخدامات هذه الأخيرة معنى متّفق عليه ولو إلى حد
أفضى انتشار التكنولوجيا الرقمية إلى سرعة تدفق المعلومات وإلى تذليل عوائق الزمان والمكان. كما مكّن من توفير حلول لمشاكل ظلّت عصيّة على البشر نظرا لما وفّرته تلك التكنولوجيا من قدرات إضافية للإنسان. وأحدثت التكنولوجيا الرّقميّة تغييرات عميقة في أنشطة الإنسان، فوفّرت فرصا للشّغل مغايرة لما ألفه النّاس. فلم يعد التّنقل إلى مكان العمل مثلا شرطا رئيسيّا لإنجاز العمل. فقد جاء العمل عن بعد. وضمن مقولة عن بعد جاءت مقولة التعليم عن بعد الأمر الذي يفرض مراجعة للتعليم والتعلّم، بل ويتيح التفكير في ما يسمّى بالتربية الرّقميّة التّي هي عنوان مواكبة المنظومات التّعليميّة لتغيّر متسارع يعيش على وقعه العالم.
:التربية الرقمية خيار من مدخل الإكراه
تُعدّ التربية الرقمية خيارا لإحداث نقلة نوعيّة في التّعليم والتعلّم، ولكنّ المنظمات التعليميّة تبنّت هذا الاختيار من موقع المكره على ذلك لأن المدرسة من أكثر المؤسّسات الاجتماعيّة محافظة، وتعني التّربية الرّقميّة الاستخدام الرّشيد والمسؤول لتكنولوجيات التّواصل الحديثة في الفعل التعليميّ التعلّمي بما يعنيه ذلك الفعل من عقلانيّة. وتٌعرّف تلك التربية الرّقميّة بأنّها » سبيل موجب للتعلّم عبر استعمال وسائل المعلومات والاتّصال الحديثة من حاسوب انترنت ومكتبات الكترونية وهواتف ذكيّة ووسائط متعدّدة…إنّها آلية لاستخدام التقنية الرّقميّة دعامة للتربية والتّعليم بأوجز سبيل وأقلّ زمن وأكبر فائدة دون تأثير عوامل الزمان والمكان على التعلّمات لإمكانيّة التعلّم الذّاتي والتعلّم عن بعد[iii]« . فالتربية الرقميّة التي تعتمد بالأساس على حسن استخدام التكنولوجيا الرقمية في التعليم والتعلّم، ليست مجرّد إدماج تكنولوجيات التّواصل والإعلام في عمليّة التّعليم والتعلّم، بل هي طريقة منظوميّة للفعل التعليميّ التعلّمي بحيث تكون تكنولوجيا المعلومات والاتّصال الحديثة مكوّنا أساسيّا من مكوّنات ذلك الفعل العقلاني، ولذلك فهي تجسّد مدخلا لإحداث ثورة كبيرة في مسار طويل اسمه التّعليم والتعلّم، وفي مكوّنات ذلك المسار (الفضاء، الزمن، التعلّم، التّقييم، التّواصل…). ومن هنا فإنّ تبنّي هذا الخيار يشير إلى معنى جديد للتعليم والتعلّم مغاير لذلك الذي ساد لقرون، حيث كان التّعليم والتّعلّم محدودا في المكان والزمان (فضاء مدرسيّ/ زمن مدرسيّ). بمعنى أنّ المعنى السّائد للتّعليم والتعلّم لم يعد صالحا، لسببين رئيسيّين على الأقل. أمّا أوّلهما فيتعلّق بمقولة تجاوز المكان والزمان. فالفعل التعليميّ لم يعد مقتصرا على القسم وعلى الحصّة (الساعة). فالتعليم في زمن الرّقميّات يمتدّ على فضاء واسع أشمل بكثير من المدرسة والفصل، بل إنّ التكنولوجيا الرّقميّة « حرّرت التعلّم من عديد « الاحتكاكات » المثبطة للفضاء والمكان. لذلك يُعتبر أن التكنولوجيا تسمح بحدوث التعلّم في الأوقات والأماكن التّي تناسب المتعلّم الفرد على أفضل وجه[iv] » . وأما ثانيهما فيتّصل بالفرص التّي تتيحها التكنولوجيا الرقميّة للتعلّم الذاتي والتّي هي أكثر بكثير من تلك التي يتيحها التعليم الكلاسيكيّ. وعليه، فإن الانتصار لخيار التربية الرقميّة هو انتصار لخيار تربية تمتدّ على زمن ومكان شاسعين وتقوم على إتاحة فرص كبيرة للتعلّم الذّاتي، ولتفاعل أكبر مع سائر الفاعلين التّربويّين وخاصّة منهم الأقران. ولكنّ ذلك الخيار يفرض مواجهة تحدّيات كبيرة يمكن إجمال أهمّها في النّقاط الآتية:
تحدّي البنية الأساسيّة، وهو تحدّي يقتضي جسر الفجوة بين الوسطين الحضري والريفيّ، وبين الأوساط الاجتماعيّة المرفّهة والأخرى غير المرفّهة، فالبنية الأساسيّة هي التحدّي الأوّل. ويقصد بتلك البنية إتاحة الوصول الرّقمي لجميع المتعلّمين بغض النّظر عن الأوساط الاجتماعيّة التّي ينحدرون منها. بمعنى أنّ تحدّي إرساء بنية أساسيّة يظلّ قائما طالما لم تكن فرص الوصول الرّقمي متاحة لجميع المعلّمين والمتعلّمين. وعليه، يكون التّحدّي الأوّل الذي يواجه التربية الرّقميّة هو توفير البنية الأساسيّة للجميع ضمانا للحقّ في تعليم تتكافأ فيه الفرص من ناحية، وللحقّ في تعليم ذي جودة من ناحية أخرى، ذلك أنّ الحقّ في التّعليم بات أشمل بكثير من الحقّ في التّمدرس (الحصول على مقعد في المدرسة).
تحدّي تكوين المدرّسين، وهو تحدّي يقتضي تجاوز القدرة على الاستخدام « العادي »، إلى الاستخدام الماهر الذي يخوّل للمعلّم إنتاج المحتويات والمضامين التّعليميّة فرديّا وجماعيّا كما يتيح له فرصا للتّجديد والإبداع، ذلك أنّ الفعل التّعليمي التعلّمي يقتضي قطعا مع الشّكل السّائد، الذي عادة ما يختزل دور المعلّم في تنفيذ مقرّرات محدّدة مسبقا ضمن محامل بيداغوجيّة وديداكتيكيّة لا يكون له دور محوريّ في إنتاجها. ومن هنا يكون مُبتغى تكوين المعلّم هو تحرير طاقات المعلّمين وإبداعاتهم بما يجعل الفعل التّعليمي – التعلّمي فعلا إبداعيّا بالأساس. ودون تحويل التّكوين إلى تحرير لطاقات المعلّمين سيظلّ تكوينا تقليديّا. فالتربية الرّقميّة تنطلق من قناعة مفادها أنّ الفعل التّعليميّ -التعلّمي إبداعي بالضّرورة ودون أن يكون على ذلك النحو سيتحوّل إلى ممارسة تقليديّة تُقيّد فيها إمكانيّات المعلّم ومهاراته ومن ثم قدرته على تقديم الإضافة. وعندها يكون من الوجيه التّساؤل عن جدوى تكوين المعلّم في التّكنولوجيات الحديثة طالما أنّه سيظلّ مقيّدا بالتّوجيهات وبالمحامل الكلاسيكيّة. ومن هنا يمكننا القول إنّ تكوين المعلّم جزء من فلسفة تعليميّة تجعل الفعل التعليميّ -التعلّمي فعلا إبداعيّا يحرّر طاقات المعلّم وقدراته قبل أن يحرّر طاقات المتعلّم. وبعبارة أخرى، إنّ تكوين المعلّمين هو تنمية لقدرات فاعل تربويّ جديد يبادر ويطوّر ذاته في الآن نفسه الذي يساعد فيه المتعلّمين على التطوّر، ف « المعلّم يجب أن يكون مرجعا مهنيّا وتربويّا في الجانب التّقنيّ والمعلوماتيّ لا أن يكون هامشيّا يقوم بأدوار يوميّة نمطيّة[v] » . فدون تلك العمليّة التفاعليّة بين تطوير الذات وتطوير المتعلّمين يظلّ الفعل التعليميّ- التعلّميّ يراوح مكانه حتّى وإن أُدمجت فيه التكنولوجيات الرّقميّة.
تحدّي بناء منهاج للرّقمي فيه حضور نوعيّ يتناسب والمهارات المطلوبة. فبناء مناهج جديدة أمر لا مناص منه، لأنّ هندسة مناهج تعليميّة تنزّل الرّقميات ضمن المكوّنات الأساسيّة للفعل التّعليمي-التعلّمي هي الضّامن لممارسة واعية ومسؤولة. بعبارة أخرى، ليس الغرض من بناء المناهج الجديدة التّركيز على إدماج التكنولوجيات الرّقمية في المناهج، وإنّما جعلها مكوّنا أساسيّا من الفعل التّعليمي-التعلّمي فيما يتّصل بأنشطة التعلّم والتّقييم وفي أنشطة الحياة المدرسيّة، وهو ما يعني تحوّلا عميقا في هندسة المناهج. وعليه، يكون من الوجيه الحديث عن مناهج جديدة حتّى يكون لاستخدام التكنولوجيات الرّقمية معنى في الفعل التعليميّ-التعلّمي. ويتطلّب ذلك، مقاربة جديدة لهندسة المناهج، بحيث يكون لتلك الهندسة أثر على مختلف مكوّنات العمليّة التعليميّة في بعدها التّعليميّ وبعدها التّربويّ. فالتّكنولوجيا الرّقمية في مناهج جديدة تجعل الفصل ممتدّا إلى الفضاء الخارجي متجاوزا أسوار المدرسة، وتجعل من الزّمن المدرسيّ أقلّ وأقلّ من الزمن المعتاد عليه، فقد يكون ذلك الزّمن أقلّ ممّا ألفناه في الفضاء المدرسيّ، ولكنّه يكون أكثر كثافة خارج المدرسة، لأنّ التعليم عن بعد هو من مكوّنات منهاج تربويّ جديد من مكوّناته التكنولوجيا الرّقميّة. وعليه، فالفعل التّعليميّ -التعلّمي في زمن الرّقميات يؤسّس لفضاء وزمن جديدين، وأيضا لتمشيّات تعلّم وتقييم مغايرة لما ألفته المنظومات التعليميّة. بعبارة مغايرة لابدّ أن تأخذ هندسة المناهج التعليميّة بعين الاعتبار طبيعة التكنولوجيا الرّقمية والتي تجعلها « بمنزلة المحرّك الأمثل للقدرات التّخييليّة للطلاّب، وبالتّالي زيادة قدرتهم على المقارنة والاستنباط والتّحليل[vi] » كما أنّ لها « قدرة تفاعليّة تسمح للطلاّب بالانخراط والإسهام في أنشطة تدفعهم إلى الإبداع ومشاركة الغير، كما تساعد على ربح الوقت واختصار المراحل في مجال التعليم والتّكوين والتّعلّم[vii]« . وهي فضلا عن ذلك مدخل لتجديد الممارسة التّعليميّة -التعلّميّة بما ييسّر توطين مقاربات بيداغوجيّة غير تقليديّة، أو إن شئنا إنّ توطين التربية الرّقميّة ما هو في نهاية المطاف إلاّ توطين لمنظومة تربويّة ، وإن حافظت على مكوّناتها التّقليديّة، إلاّ أنّها منحتها معاني جديدة. فالمحامل البيداغوجيّة، وطرق التّنشيط، وأنظمة التّقييم واستراتيجيّات العلاج كلّها مكوّنات لابدّ أن تخضع لمنطق التربية الرّقميّة.
تحدّي تبيئة المهارات الحياتيّة وتوطينها لدى النّاشئة. فالانتصار لتربية رقميّة لا يعني بالمرّة الانتصار إلى المهارات التّقنيّة لا غير، بل هو على خلاف ذلك استخدام تلك الوسائط في تنمية مهارات الفكر الإبداعي والفكر النّاقد ومهارات حلّ المشكلات فضلا عن مهارات التّواصل الفعّال والعمل ضمن فريق. فتوطين هذه المهارات يعطي التربية الرقميّة قيمة إضافيّة. ويمكن كسب هذا التحدّي المدرسة من تمكين المتعلّمين من كسب المهارات الكلاسيكيّة (القراءة والكتابة) وإنّما كذلك المهارات التقنيّة وأيضا المهارات الحياتيّة. فهذه الأخيرة من سبيل لا للحدّ من تبعيّة النّاشئة لتلك الوسائط الرّقميّة فحسب، بل هي سبيل قويم لممارسة واعية ومسؤولة من ناحية ولتوطين ثقافة رقميّة تؤطّر تلك الممارسة من ناحية أخرى.
خاتمة
ليست الثورة الصناعيّة الرّابعة ذات الطّابع الرّقمي مجرّد موضة، إنّها مقاربة جديدة لعلاقة الإنسان بالتكنولوجيا، ولكنّها مقاربة مغايرة أيضا لعلاقة الإنسان بذاته وبخصوصيّاته وبروابطه الاجتماعيّة وبأنشطته الحياتيّة وفي طليعتها التّعليم والتعلّم. فهذا النّشاط الذي يشكّل مسارا طويلا في حياة الإنسان يحتاج اليوم إلى إعادة نظر في مكوّناته بما ييسّر تنزيل التّكنولوجيا الرّقمية في مختلف تلك المكوّنات لتصبح بدورها مكوّنا لا غنى عنه لتحقيق جودة التّعليم والتعلّم، لأنّه لا يمكن الحديث في المستقبل القريب عن تعليم ذي جودة دون أن تكون التكنولوجيا الرّقميّة من أسس كلّ مكوّن من تلك المكوّنات، ولكنّ كسب ذلك الرّهان لا يكون إلاّ بتربية رقميّة تتفاعل فيها مجموعة من المكوّنات.
©Insight Advisory 360° (i360°), March 2025
Illuminating Decisions, Catalyzing Change. Consulting & Strategic Advisory
contact@insightadvisory360.com
:المراجع
[i] 1حامد سعيد الجبر وصلاح عيسى الثويني وغيداء محمد العيار؛ أهميّة التكنولوجيا الرّقميّة في مجال التّعليم من وجهة أعضاء هيئة التدريس في كلية التربية الأساسية في دولة الكويت، مجلّة كلّية التربية، جامعة المنصورة، العدد111 – يوليو 2020، ص 180
[ii] نبيل عبد الفتاح؛ الحرية الرقمية والعبودية الطوعية: أثر الثورة الرقمية في تشكيل الظواهر السوسيو-نفسية على الشبكات الاجتماعية، مركز الأهرامات للدراسات السياسية والاستراتيجية، أغسطس 2022، ص2
[iii] عبد الكريم الرحيوي؛ التربية الرقمية وتأهيل التّعليم، مجلّة علوم التربية ، العدد 57، ص 43
[iv] كيت أورتون- جونسون ونيك برويور؛ علم الاجتماع الرّقمي: منظورات نقديّة، ترجمة هاني خميس أحمد عبده، عالم المعرفة عدد 484، ص 248
[v] جمال علي الدهشان؛ المواطنة الرّقميّة مدخلا للتربية العربيّة في العصر الرّقمي، نقد وتنوير- العدد الخامس- الفصل الثّاني- السّنة الثّانية، (نيسان/إيار/حزيران) 2016، ص93
[vi] حامد سعيد الجبر وصلاح عيسى الثويني وغيداء محمد العيار، المرجع السّابق، ص 182
[vii] ورد عند حامد سعيد الجبر وصلاح عيسى الثويني وغيداء محمد العيار، المرجع السابق، ص 182